Pioneers

تُظهر لنا هذه التجربة أن الإلتزام المهني كان أهمّ من الإنتماءات المناطقية والطائفية وأكبر من المخاوف والمخاطر.

وُلِدت فكرة مطاعم المحبة في منزل إحدى العاملات الإجتماعيات، السيدة انطوانيت قازان، في بداية حرب 1975، حيث كان يتمّ إستقبال عدد من الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم أثناء الحرب، على مائدة العشاء.

تأسست الحركة الإجتماعية عام 1957 قبل بدء الحرب اللبنانية، وسرعان ما لبّت نداء أعمال الإغاثة في بداية الحرب، من خلال العمّال الإجتماعيين والمتطوعين الذين كانوا يعملون فيها والذين إلتزموا بمبادئها.

كان لكاريتاس لبنان، الذي تأسس أول فرع له في الجنوب عام 1974، دور بارز في أعمال الإغاثة في مجمل المناطق اللبنانية. وكان للعدد الكبير من العمّال / العاملات الإجتماعيين/ات” الذين عملوا في كاريتاس، بالتعاون مع المتطوّعين وبقيّة العاملين، الدور الأساسي في إطلاق مشاريع متعدّدة ومتنوعة.

بين العام 1984 والعام 1988 كان هناك تجربة رائدة في مركز المريجة للصليب الأحمر اللبناني، حيث قامت المسؤولة عن المركز، بجمع ما يقارب أربعين متطوّعاً ميدانياّ من المجتمع المحلي، تركوا أحزابهم وتطوّعوا في مجال الإغاثة التي ما لبثت أن تطوّرت إلى أعمال تنموية بهدف تمكين الأفراد والعائلات من مواجهة الأوضاع الصعبة التي خلّفتها الحرب.

كان لمراكز الرعاية الصحية الأوّلية دور فاعل خلال حرب 1975 – 1990 من حيث تأمين المساعدات الصحية والإجتماعية والقيام بأعمال الإغاثة.

ومن أهم البرامج أثناء فترة الحرب، كان برنامج مساعدة الأمهات الأرامل وأولادهن ضمن الأسرة. في العام1977 أرسلت مؤسسة SALVE الفرنسية لرعاية الأيتام مبعوثاً إلى لبنان كي ينظر في كيفية مساعدة الأيتام اللبنانيين وأمهاتهم في ظروف الحرب.

ومع بداية الحرب إتجهت YMCA جمعية الشبّان المسيحية – لبنان والتي تأسست عام 1890، إلى العمل في مجال الإغاثة وكان لها مساهمات فاعلة في هذا المجال.

بين العام 1980 والعام 1983 كانت هناك تجربة رائدة في منطقة عكار في مجال أعمال الإغاثة والتأهيل وإعادة الإعمار بين مجلس كنائس الشرق الأوسط والمدرسة اللبنانية للتدريب الإجتماعي ELFS – USJ بدعم من السفارة الكندية.

مبادرة أخرى كانت رائدة هي تجربة مؤسسة التدريب على السمع والنطق التي تأسست عام 1960، حيث اخذت المسؤولة عن هذه المؤسّسة القرار بالانخراط في العمل الإغاثي منذ بدايات الحرب اللبنانية وإنطلقت تجربة بياقوت.

كان لجمعيّة العناية الصحيّة التي تأسست عام 1987، دور فاعل في منطقة سنّ الفيل-النبعة خلال الحرب اللبنانية، من حيث تنظيم الحياة في الملاجىء وفي المنطقة ككل وتقديم خدمات الإغاثة وتنظيمها، وتشبيك عمل الجمعيات والمؤسسات واللّجان الأهلية المتواجدة فيها. وكان لعدد من العمّال الإجتماعيين القاطنين في المنطقة مساهمات فاعلة في هذا المجال وكان التعاون وثيق مع تلك الجمعية.

شكّلت مبادرة إنشاء مركز اجتماعي في منطقة كرم الزيتون خلال 13 سنة من حرب 1975، نقطة فارقة، حيث طالت مختلف النواحي الحياتية إلى جانب أعمال الإغاثة وإستقبال النازحين من مختلف المناطق اللبنانية نتيجة قصف الأحياء السكنية المجاورة والأوضاع الأمنية المتردية في أكثر من منطقة.

بين العام 1989 – والعام 1990 دارت بين الأحياء السكنية في بيروت دورة جديدة من العنف، وكانت هناك مبادرات متعدّدة لمساعدة القاطنين في هذه الأحياء على مواكبة الواقع.

تمثُلت بعض فترات حرب 1975 بوسيلة جديدة من وسائل الحرب اللبنانية وهي “السيارات المفخّخة” التي كانت تُفجَّر في الأحياء السكنية والتي كانت، الى جانب القتل بأبشع مظاهره، تشرّد المئات من العائلات وتخلف وراءها الكثير من الدمار والخراب والكثير من الجرحى وتترك مَن سَلِم مع إعاقات دائمة مختلفة. وكانت هذه الوسيلة الجهنمية تخلق لدى الفئات المتضررة كما ولدى جميع المواطنين حالات من الرعب والقلق والإحباط يصعب تخطّيها مادياَ كما ومعنوياَ من دون سند أو مساعدة. وساهمت هذه التجربة في ملء الفراغ حينها ولو مرحلياَ.

وفي منطقة الجنوب، كان هناك الكثير من المبادرات، إذ أن مُجمل الجمعيات والمراكز الإجتماعية إنخرطت بأعمال الإغاثة ولعلّ تجربة تجمّع المؤسسات الأهلية في صيدا تستأهل التوقّف عندها.

تجربة أخرى لا بدّ من التوّقف عندها. ففي أعقاب تهجير اهالي الدامور ووصولهم عن طريق البحر في قوارب صغيرة إلى شواطىء الكسليك، سارع الكثير من الجمعيات والأفراد لإيوائهم والإهتمام بهم.

مشكلة الإعاقة كانت من أبرز المشاكل التي خلفتها الحرب، ومن نتائجها السلبية كان توّقف الكثير من مؤسسات الرعاية الإجتماعية لذويّ الحاجات الخاصة أو ذويّ الإرادات الصلبة عن العمل.

خلال سنوات الحرب، لم تمنع الأوضاع الأمنية السائدة رغم المخاطر التي كانت تشكّلها، العمّال/العاملات الإجتماعيين/ات من ممارسة إلتزاماتهم.

ولم يقتصر العمل الإجتماعي خلال سنوات الحرب على أعمال الإغاثة، بل تابع الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بالحالات الخاصة، أعمالهم رغم الصعوبات.

من التجارب التي يجب التوقف عندها، تجربة في مستشفى دير الصليب تحدّت المخاطر والصعاب لتحافظ على نوعية التدخّل الإجتماعي مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية ونفسية، والمدمنين على المخدّرات داخل المستشفى وخارجه.

شكّل العمل مع الفئات المهمّشة، كألأطفال المشرّدين والمعرّضين للإنحراف والفتيات المعرّضات للعنف والإستغلال وغيرهم من الفئات المهمشة، تحدّياً كبيراً خلال سنوات الحرب.

لم ينجو قطاع الأحداث المنحرفين من ويلات الحرب، فأغلق مركز الملاحظة في الوروار، ومعهد الإصلاح في اليرزة، ومنزل الجميّزة في بيروت وهو الذي كان يستقبل الأحداث فور خروجهم من معهد الإصلاح بهدف تحضيرهم للإنخراط مجدداً في المجتمع.

في بدايات سنة 1976، وعلى أثر العدد الكبير لمعوّقي الحرب اللبنانية، من محاربين وأشخاص عاديين أصيبوا من جراء القصف والقنص والإنفجارات ، تمّ إنشاء مركز بيت شباب لمعاقي الحرب.إنبثق عن هذا المركز مركز آخر في سنّ الفيل بدعم مباشر من مصلحة الإنعاش الإجتماعي.

وفي الختام لا بدّ من التوّقف بإجلال وإحترام عند تجربة الأب اليسوعي الأب نيقولا كلويترز Nicolas Kluiters التي إنتهت باستشهاده، وهو العامل الإجتماعي الذي نال شهادة الخدمة الإجتماعية في العام 1970، من المدرسة اللبنانية للتدريب الإجتماعي – جامعة القديس يوسف.